الأحد، 3 أبريل 2011


لآثار 

هى رسالة من الماضى إلى المستقبل، هى مخزون البشرية العقلى والمعرفى، وآثارنا تدل علينا.. أنحن مقبلون أم مدبرون أم أثر بعد عين، وبقيمتها المادية والمعنوية تشكل ذواتنا وأذواقنا وتلهب ضمائرنا لتزيدها توهجاً وبريقاً والأثر العظيم يتركه «إنسان» عظيم هذا الإنسان هو المحرك الأول لعالم الحلم، الوهم، والحقيقة.
 


سواء كان بروميثيوس سارق النار أو جوردان برونو الذى احترق دفاعاً عن قدسيتها  أو موسى الذى رأى الحق فيها.. وكل مبدع تشتعل فى داخله جذوتها لتكسبه نوراً يتوهج ويفيض من ذاته إلى ذوات ونفوس العاشقين المحبين للحقيقة فيضاً من ترنيمات، وصلوات، ومباخر يحترق فيها العود. 

وهناك من  تتوهج بداخله هذه النار وهناك من يتدفأ بها فتدغدغه وهناك من يسرقها ففنان كبيكاسو لا يقلد بل يسرق يعرف قيمة النار يقدسها ينصهر فى جمراتها وهذه الآثار التى نراها حولنا والتى لا نراها هى نتيجة الانكواء بالنار بالمعرفة الخالصة ولا أدرى كتاباً أعمق أثرا فى نفسى من أسطورة إطار كارل بوبر، الذى انتزع ناراً من قلبى لم أكن أعلم حتى بوجودها كتاباً لم أستطع أن أتمم قراءته على الرغم من السنين الطوال التى امتلكتني فيها صفحة صفحتان ثم تنفجر داخلى شلالات قوس قزحية حليبية زهورية تصفو ثم تطفو بلسمة التلاقى الأولى للعاشقين توقفت عند أسطورة إطار «بوبر» الذى بنى داخلى مدنا أثرية يختلط فيها الماضى السحيق بمستقبل لم نبلغه بعد فى يوتوبيا «لا مكان» بديعة جعلنى أدرك أن المعرفة والمعلومات الألفاظ بل اللفظ الواحد والكلمة الواحدة هى سجن ضيق للكلمات إطار يجب تحطيمه لتخرج منه حقيقة اللفظ الكلمة والعبارة تذكرت المعلم «حظرة عنايات خان» حين يقول «إن قلت للطفل هذا طائر لن يراه مرة أخرى» فالطفل خلق من ماء وشكل وتشكل بها. 



وعياً ومادة حية .. وحين تشرق شمسه نخرج الطفل من حقيقته المطلقة إلى محدودية عالمنا «ده بابا» باء ألف باء ألف نأسر مطلقه فى محدودية أطرنا المزخرفة بأذواقنا المصطنعة «هذا طائر» طاء ألف وراء وهمزة على سطر نحول الكون إلى رداء ضيق لحقيقة متفجرة بالجمال نسحب الطائر من كليته وسيولته البصرية السمعية الفطرية من ملكوت فاطر السماوات والأرض إلى «ط أ ى ر» إطار ضيق برموز ضيقة وبمرور العمر ننسى هذه الحقيقة البسيطة إننا سلخنا من حقيقتنا المطلقة لنتحول إلى بضاعة تضمها ثقافة ورجال بذقون مهيبة ورجال أكتافهم مثقلة بنجوم ذهبية وصقور.. ساعدنا أطفالنا فى خلق وعيهم، وعائهم وسكبنا فيه محدودية الألفاظ وعاء ضيق كلما اتسع تناثرت حدوده مبتعدة عن إدراكنا المباشر فاكتسبنا غروراً معرفياً كلياً وكلما اتسع الوعاء ظن صاحبه أنه غير موجود فنساه أو يتناساه وفى لحظات نادرة من الصمت والاحتراق والاختراق ورحمة يذوب هذا الإطار الوعى وينكسب فى محيط المحبة الخالصة طافياً ممتزجاً نعود كما أراد لنا المسيح أطفالاً من جديد بلا أثر ولا آثار سيولة تسبح وتسبح ونغرق فى محيط لا أول له ولا آخر لحظة تتحد فيها الفكرة والإرادة والفعل نعود إلى المحبة الخالصة.