الجمعة، 25 مارس 2011

من الإسكندرية إلي ميدان التحرير


بدأ هذا العام محملا بنذر عواصف تتكون في أفق الإسكندرية.. تفجرت كنيسة القديسين وسالت دماء مصرية مسيحية ومسلمة علي الأرض ومزجتها أمطار عواصف عاتية اقتلعت كتلا خرسانية من كورنيش الإسكندرية ونثرتها كقطع الدومينو وعطلت عجلة الحياة.


كانت الإسكندرية تغلي غضبا تتصارع مع برودة ساحقة دون أمل واضح في خروج منتصر.


كان الغضب يتحرك في الهواء وينتقل إلي حواسي ولأقلل من إحساسي الغريب بالتوتر بدأت في عمل رسومات أطلقت عليها ليس للنشر الصحفي.. وجدت متنفسا فيها لهذا الإحساس الغريب بالتوتر وكان الفيس بوك هو صديقي الدائم الذي ربطني بآلاف الأصدقاء الافتراضيين كانت تعليقاتهم بوصلة توجه أحاسيسي التي تصرخ بالخطر.


كانت الرغبة في تجاوز فكرة الخطر تقودني إلي استشراف المستقبل.


بعد مشاركتي في الثورة كان عندي بعض الوقت لأنظر إلي هذه الرسومات التي يعود بعضها لعدة أشهر ماضية لأجد فيها تسلسلا عجيبا وجدت أنها تشكل عقل وقلب وعين مواطن مصري مهنته القلم والفرشاة كل ما فعلته أن سمحت لأدواتي وإحساسي العميق بالوطن أن يتحرر فجاءت هذه الأعمال لتقول لي حين تقترب من الحقيقة تقترب من الحق تقترب من الوطن تقترب من المحبة الخالصة.
صور مصرية


يقول باولو كويلهو عندما تريد شيئاً بقوة فإن قوي الكون تتآمر لتحقيق أمنيتك .. ويقول بوكماستر فولر إن الله فعل وليس مجرد كلمة. وعندما تتداخل المقولتان تتحولان إلي قنبلة هائلة تنفجر انفجارا سلميا منظما لتتحول إلي رصاصة في أنبوب فولاذي، تخرج هذه الرصاصة الثائرة لتتحول إلي آلاف الورود الملونة بجميع الألوان والروائح العطرة. لن يؤذيك شوكها، فكم لان الشوك لحظة الشوق في كفوف العاشقين المحبين لغانية النيل مصر.


تحول دعاء الملايين إلي دعوة، إلي قوي الكون، إلي روح العالم من ملايين المعذبين. فاستجابت هذه الروح الكريمة لدعائهم.. فأبت إلا أن تحضر لهم هدية أو هداية ترشدهم إلي طريق الخلاص والنجاح، نشرت في ذهن وقلب كل واحد منهم بذرة السلام والتآخي والمحبة فصرخوا «سلمية سلمية، مسلم مسيحي قوتنا في وحدتنا». اختفت روح الفرد لتحل روح الجماعة ويتحول الوعي الجماعي إلي وردة كبيرة تنشر عبقها وتحتمي بأشواكها لتنفجر نوراً أضاء الظلام، وسلاماً عم الجميع، وأملاً ولد في قلب منطفئ.


ولدت بهية من جديد قوية عفية صبية، الله يا مصر.
صورة (1) الاسكندرية (25) يناير 


يوم الخامس والعشرين وبعد إعداد طويل لمدة تزيد علي الشهرين كنت في ميدان المنشية أمام المحكمة أبحث عن الوجوه الغاضبة المتظاهرين.. كان الخوف يراودني إذا اتصل بي أحد الأصدقاء الذي زلزل يقينه بقيـام الثورة (يا حسن أنا خايف يوم 25 ييجي 25 بس «إنسان») نظرت حولي بقلق علي الرغم أن ميعاد التجمع كان الثانية ظهرا إلا أنني حرصت علي الذهاب مبكرا.. كان التواجد الأمني المفرط يمكن ملاحظته بسهولة من خلال جهازي الاستشعاري فكلما مررت بشخص وارتجف جسدي أدركت أنه من الشرطة.. في جانب الميدان كان هناك ثلاثة أشخاص توسمت فيهم الشرطية.. ذهبت إليهم (كانوا يرتدون أزياء مدنية ونظارات سوداء) لم تكن شجاعة بل لأقتل توتري.. سألت الأول عدو ولا حبيب قال لي.. أنا حبيب.. تبسمت له وقلت.. تبقي ضابط حبيب العادلي مش كده؟.. تعمد الإنكـار واستمررنا في الحديث حتي فوجئت بشخص مدني يلقي عليه التحية العسكرية.. ابتسمت لهم وذهبت قائلا ليه بتكذب أتذكر الآن ضابط أمن الدولة وكوكبتهم المتفاخرة والتفاف التلاميذ حولي مرتعشي الأعضاء نعمل إيه يا دكتور.. قلت لهم نقرأ الفاتحة وبعدين نشوف.. التفت الأيادي والأكتاف حولي (95%) منهم شباب رائع بعدها قلت لهم لنبدأ بالسلام الوطني.. أنشدناه بأصوات متهدجة تزداد قوة وإصرارا مع كل جملة بل وحرف بعدها ذهبت إلي ضباط الشرطة وأخذت أقبل وجوههم القلقة.


بدأنا التحرك عدد لا يزيد علي مائة فرد لأفاجأ بتحولها إلي مظاهرة مليونية.. لأعرف من أين جاءت كل هذه الجماهير.. وبدأ التغيير .


محمد الفداوي.. شاب مصري ناجح جداً في عمله، يكن كل الاحترام للنظام السابق ومن المدافعين عنه بقوة وإيمان. تلقي محمد اتصالاً مساء جمعة الغضب من العقيد سامح بسيوني صديقه الحميم بأن يسرع لمساعدته في إنقاذ الأسلحة الموجودة في نقطة ستانلي بالمتحف البحري في وسط الفوضي الكاسحة انطلق محمد بسيارته الفارهة إلي النقطة غير عابئ بالمخاطر وجمع مع صديقه العقيد سامح قطع الأسلحة الكثيرة والخطيرة.. حتي امتلأت سيـارته وقـادها بسرعة إلي قيادة المنطقة الشمالية للجيش وقام بتسليمها لهم ثم عاد مرة أخري ليقوم بانتشال ما تبقي من أسلحة آلية ونصف آلية.. ورغم جنون الفوضي لم يحـاول محمد أن يحتفظ بأي قطعة من الأسلحة لحمـاية نفسه.. يقول محمد «عيب يا جدع هوأنا إيه مش مصري».
صورة (2) جمعة الغضب (1)
لست أروي هذه القصة لأكون أو أدعي بطولة فالأبطال راقدون الآن تحت الثري.. لكنني سأذكرها تحية لشهيد الإسكندرية الذي شاهدتم رصاصات الغدر تنطلق لتقتله بينما هو يرفع يديه عاليا كاشفا عن صدره الأعزل.


في أثناء عمليات الكر والفر باتجاه ميدان التحرير محاولين الوصول إليه كهدف رئيسي وسط مقاومة قاسية وعنيفة من أفراد الشرطة استخدموا فيها.. ما استخدموا فوجئت علي يساري (أعذرني لا أتذكر اسم المكان فقد كنا نختنق كثيرا ونعود من جديد بالإضافة أنني لست قاهري) فوجئت بالدور الثاني من أحد المباني يشتعل بقوة وبدأت النيران تقفز إلي الأدوار العليا وأحد الأفراد من الأدوار العليا بخرطوم بسيط يحاول تسليطه في اتجاه أتون النيران.. كان أمامنا صفان من جنود الأمن المركزي يرسلون علينا الغازات الخانقة والرصاصات المطاطية وكنا نرد عليهم بالحجارة الصغيرة.. وحين اندلع الحريق لم أدر ماذا حدث لي تذكرت حريق القاهرة أفقت لثانية يا إلهي ماذا يحدث هل هذا عمل مدبر هل أخطأنا هل.. هل.. تجمعت الهلات وتحركت خارجة من ذهني في ثوان معدودة لأجد نفسي مندفعا في اتجاه صفوف الشرطة بكل ما أوتيت من سرعة صارخا.. عايزين مطافئ وسعوا كانت عيني مغروقة بالدموع.. قطعت المسافة بيننا وبين أفراد الشرطة حوالي ثلاثين مترا في ثوان قليلة وقد فتحت معطفي لأظهر لهم أنني لا أحمل أي سلاح بصورة تشبه في الإسكندرية.. أخذ أفراد الأمن يصرخون مذعورين ارجع ارجع كانوا خائفين.. ثم تقدم أربعة منهم في محاولة للقبض علي بينما عصيهم تنهال علي وأنا أصرخ أنا جاي بمزاجي أنا اللي جاي ليكم انقذوا مصر البلد بتولع ياولاد الـ.. حاولوا إلقائي علي الأرض ودحرجتي ولسبب لا أعرفه علي الإطلاق لم ينجحوا.. ثم وجدت من ينقذني من براثنهم ضابط شاب بنجمتين أنا متأكد أنه سيذكرني عندما يقرأ هذه القصة لا أذكر وجهه الذي كان مغطي بقناع أسود.. وجدته يصرخ فيهم أن يتركوني وجذبني بقوة من عنقي ليبعدني عنهم أريته بطاقتي.. صرخت البلد بتولع.. تجمع حولي عدد من الضباط مختلفي الرتب المذعورين (قل لهم أن يتوقفوا عن قذف الطوب).


نظرت إلي الخلف لأجد مشهدا لا يمكن تصديقه.. توقف الطوب تماما واتجه الثائرون إلي المبني المشتعل ليحاولوا إطفاءه.. والشرطة تفسح الطريق لعربة المطافئ لتقوم بدورها وابتعدت الشرطة وتوقف الجميع عن الإلقاء المتبادل للقنابل والحجارة وأخذوا يطفئون النيران.. حين أشاهد صورة البطل السكندري الشهيد علي اليوتيوب يقشعر جسدي.. كيف لم أقتل وأنا أندفع بكل قوة صارخا في صفوف أفراد الشرطة وقتل الصبي الهادئ لماذا لم يطلق علي الرصاص أحد.. هل كنت محظوظا أم أن هناك الكثير من الشرفاء في شرطة مصر.


إن كنت شاركت هذه الوقفة أو شاركت فيها اتصل بي
صورة (3) جمعة الغضب (2)


ذهبت إلي القاهرة قبل يوم من جمعة الغضب.. محملا بالألم وفي صباح الجمعة توجهت إلي بيتي في القاهرة روزاليوسف باحثا عن صديقي النبيل أسامة سلامة.


توجهنا مشيا من روزا إلي التحرير لنفاجأ بأن مسجد عمر مكرم قد منعوا الصلاة فيه.. كان أسامة يحاول تهدئتي فقد كنت أحاول التحرش برجال الشرطة أينما كانوا وأياً كانت رتبتهم.. بعد مفاجأة إغلاق المسجد قررنا التوجه إلي نقابة الصحفيين لنفـاجأ بإغلاقها هي أيضا فصلينا في مسجد قريب من النقابة وخرجنا منه وقد تفجرت في عيوننا الرغبة في الثورة من الإعلام المضلل الذي يصفنا بالقلة المنحرفة أو المندسة.. والغضب من الطريقة التي عاملنا بها الأمن يوم (25 يناير).


وحين مررنا أمام النقابة وجدنا صفوفا من عساكر الأمن المركزي يحيط بهم من الجوانب شرطة مدنية تحمل عصي وأسلحة بيضاء.. شكلهم كان قبيحا.. قمت بالبصق عليهم وصرخت في وجوههم.. shame on you لا أستطيع أن أصف شعوري وقتها.. أهو غضب علي حماقة الأغبياء الذين اعتدوا علينا ونحن في قمة السلام في الإسكندرية.


حاول أسامة أن يهدئني بطريقة ما تستعجلش الثـورة جاية.


https://www.facebook.com/photo.php?fbid=10150371456870252&set=a.145439990251.233235.877935251&theater

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق