السبت، 26 مارس 2011


 آمل دنقل





مقتطفات 


من كلمات سبارتكوس الأخيرة: 

المجد للشيطان معبود الرياح 

من قال لا فى وجه من قال نعم 

من علم الإنسان تمزيق العدم 

وقال لا فلم يمت وظل روحا أبدية للألم 

لماذا أتذكر هذه القصيدة فى كل مرة أجد نفسى غاضبا؟ إنها تذكرنى بشبابى الثائر دائما والمرهق لأساتذتى.. كانت كلمة لا قريبة جدا أقرب بكثير من كلمة نعم.. نعم فيها استسلام ورضوخ وحلول بسيطة أما لا فهى شيطانية تدفع قائلها لمحاورة ومداورة وبرهان ودليل وكم مكثف من البحث والتنقيب وهكذا كانت حياتى الجامعية ولفترة طويلة بعدها حين ادعيت أننى حمار كبير وقمت بنشر أخبار هذه الحُمُرية على صفحات مجلة كاريكاتير لفترة معقولة حتى كادت تفقدنى وظيفتى كمدرس بالفنون الجميلة.. حيث تعمدت أن أضيف إلى «لوجو» شعار الصفحة «نادى الحمير» إننى حمار يحمل الدكتوراة.. وهذا بعد أسبوع واحد من مناقشة الرسالة.. المهم خدت قرصة ودن وعدى الموضوع على خير.. عموما ما أراح حموريتى هو إننى وجدت حكمة فرنسية تقول إن من هو تحت الثلاثين وهو غاضب فهو حمار.. عندها استرحت، فلقبى الآن دولى ومعترف به..!




لن أضيع وقتكم محاولاً تعريف الغضب ولا مسبباته النفسية والعقلية ولكن دعنا نقول إن الغضب طاقة ورغبة شديدة فى التغيير والتعديل أو النظر إلى الأمور من منظور آخر.. هذه الرغبة فى المعرفة قادتنى إلى برمكى فى كاليفورنيا، حيث قضيت سبع سنوات أدرس مع أستاذى الإمام بلال هايد.. كنت أذهب غاضبا مستفسرا فأعود هادئا مبسوطا، ولكن على الدوام كانت الأمور تسير بإيقاع ثابت «غضب ثم تفريج عن الغضب»، إلى أن جاء وقت المكاشفة حيث ذهبت إلى الإمام بلال صارخا بأننى حمار ولا أستطيع أن أعرف شيئًا حقيقيًا، كل الأشياء عندى تنبع مع الغضب وأحس بجهل أو حمورية فائقة.. ابتسم الإمام لى وقال: لقد بدأت تعلم فعندما تدرك أنك جاهل تبدأ فى إلقاء التفاصيل التافهة ويبدأ غضبك فى الانحسار ويغزو قلبك النور فالجهل مصاحب للثورة والمعرفة نور وعن طريقه يفك لوغاريتم الغضب إلى التسليم بأن حين يأتى وقت المعرفة ستعرف.

لن يهمك وقتها نعم أو لا، فالحقيقة تقع فى المسافة الضيقة بين النعم واللا. ربما لم أتحرر من غضبى كلية، ولكننى صادقته فكلما جاء دعوته إلى التريث حتى يأتى الصبر وعندما يحضر الصبر فإنه على الدوام يأتى بصحبة الفرج. 





التوازن 

الشيء بضده يُعْرف، لا نستطيع أن ندرك الحلو دون تذوق المر ولا الفرح إلا بالحزن ولا الحقيقة إلا بالكذب، وحين ولد الضمير فى مصر القديمة ولدت المعرفة وولدت فكرة توازن الأضداد أى أنه لابد من الضد للمعرفة واستمرت هذه العملية «البحث عن التوازن» فى كل الحضارات والفلسفات حتى الآن.. وتبناها الفيلسوف الباكى هيراكليتس «من إفسوس - أيونيا».. الذى كان دومًا ما يبكى من خشية الله.. الحق.. الحقيقة.. أو من محبتها حتى تجيش نفسه عشقًا لها فلا خوف هناك بل محبة خالصة - يقول هيراكليتس: «لا تستطيع أن تطأ نفس الغدير (النهير) مرتين» فهو دائم التجدد والتغير. 




وتحول توازن الأضداد عنده إلى وحدة الأضداد «فالطريق إلى أعلى وإلى أسفل واحد»، كل الأشياء الموجودة تتحقق عن طريق ثنائيتها المتضادة.. ولا أجد أقدم منه فى تعريف الفناء فالأضداد تتلاقى تتحد ثم تختفى لحظة العشق، ويستمر هذا المفهوم داخل الفلسفة الإسلامية فتوجد ثنائية التضاد فى الأسماء الجلالية والجمالية: الخافض، الرافع، المعز، المذل.. ويبدو أن الكون كله يطفو فى توازن تضادى بديع.. ويقوم الإمام على مُحَذرًا: إن أحببت لا تصب كل الحب استبق قليلاً لضده حتى لا تغرق فيه وإن كرهت كذلك لا تكره كل الكره.. والإسلام بطبيعته دين الوسطية.. وهنا نلاحظ أن الوسطية نفسها تتطلب طرفين وعملية التوازن هى عملية ديناميكية بين الشىء وضده، ولكى يتحقق التوازن لابد من وجود نقطة ارتكاز يعتمد عليها الشىء، لذا فإن كان اعتمادك على الله «باتساع مفهوم وتفسير الكلمة» فإنك تتقوى به وتحاول أن تتوازن بين الأحاسيس المختلفة داخلك، فإن كل أمر المؤمن خير كما يقول المصطفى صلى الله عليه وسلم فإن أصابك الشر استعنت بالله فأعانك وإن أصابك الخير شكرته فزادك.. والجميل فى عملية التوازن هذه أنها عملية مستمرة طالما استمر الإنسان فى الوجود وكلما اقتربت من مركز التوازن من الله كان من السهل اليسير أن تتوازن فالحقيقة تحررك من نفسك الضيقة إلى ملكوت الرب. 




تقدم الشيخ غارقا فى البياض وكذلك كانت لحيته ناصعة
، وخطا فوق البساط السندسى فتهلل وهلل من هلل وكبّر من كبّر. 
وفوق المنبر خرج من فمه الريح، وعواصف وبرق ورعد ونار تلظى.. بكى من بكى وعلا الأنين. 
أخرج الشيخ الإله من جعبته من رؤيته وقدح زناد فكره وأطلقه فاخترق القلوب واعتصرها وفجر ينابيع العيون فطافت وأغرقت سارت وأحرقت. 

فى وسط العاصفة وقف صبى أخرج قلما، نظر إلى البياض الشديد وكتب فوقه بخط أحمر شديد الوضوح: 






ثلاثون عاما انقضت 

سبحتُ فيها للخليفة 

سبحت حسن طلعته 

وحبست أنفاس الحقيقة 

فلا كنت شيخا للطريق 

ولاانت شيخا للطريقة







ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق